📁 آخر المقالات

العمل لدين الله

من الناس من إذا جئته تدعوه للعمل لدين الله سبحانه -وما أعظمها وأشرفها من دعوة-، اعترضك بأنه يمر في مرحلة "إعداد" .. ثم تجري عليه الأعوام تلو الأعوام ولا زال في مرحلة "الإعداد"، حتى إذا أنهى إعداد نفسه بعد انقضاء عمر وفوات فرص تأملت أخيراً أنه سيباشر الميادين وينزل بثقله إلى الساحات، فإذا بك تجده قد انتقل من إعداد نفسه إلى إعداد غيره، في سلسلة متطاولة من "الإعداد" و"التكوين" و"التهيؤ" ليست تنتهي -قط- إلى عمل!

العمل لدين الله
العمل لدين الله

يجب أن نعي: أن الإعداد مرحلة من مراحل العمل الإسلامي، وحقيقته في أنه وسيلة يتوصل بها إلى الغاية الكبرى والشرف الأعظم، إلى تحقيق العبودية لله تعالى بحفظ دينه، ونصرة رسوله، ومجاهدة الكفار به سبحانه، ومتى انقطعت الصلة بين الوسيلة والغاية كانت الوسيلة هدراّ، فقليل عمل يراد به وجه الله تعالى خير من إعداد بلا عمل! إن الأثر الذي تتركه حلقة إعلامي كعبدالله الشريف تعدو وتتجاوز أثر كثير من أهل الإعداد، لا لأنه أكثر علماً أو فكراً، لكن لأنه يخوض معركة الإسلام من قلب ساحات التأثير! فعلى كل معد أن يسأل نفسه: إلى متى هذا الإعداد؟ متى أنتقل من مرحلة الإعداد إلى مرحلة العمل؟ ولا يعلق ذلك ببلوغ عدة معينة، ولكن ببلوغ أجل محدد، وإلا دخل في دوامة "الاستدراكات" التي تأكل عمر الإنسان وعزمه! ثم يوسع دائرة العمل سواء بلغ ما أمّل من العدة أم لم يبلغ!

من دخل إلى "الإعداد" بمختلف صوره وأشكاله من غير باب الإيمان، أي لم يكن الإيمان باعثه ومحركه في ذلك، فمن الطبيعي أن تنحرف بوصلته وتزل قدمه، فيستغرق في غير ما أراده الله تعالى، ومثل هذا = قد حُرم التوفيق.، أما من دخل إلى مساقات الإعداد من باب الإيمان، فهو مركب بطريقة تحمله على العمل حملاً، فلا يصبر على رؤية منكر إلا أن ينكره، ولا ظلم واقع على المسلمين إلا أن يساهم في رفعه، بل لا يستطيع رقاداً وجاره جائع إلى جنبه!

توضيح الواضحات: ليس المراد بما سبق ترك الإعداد أو إخراجه من دائرة العمل، إنما المراد تحقيق مناسبة بين الوسيلة والغاية، بتعظيم الغاية بعد أن ضمرت، وتحجيم الوسيلة بعد أن تضخمت، وليس المراد أن الإعداد على مستوى الأمة فريضة مؤقتة تتوقف، بل الواجب دوامها ما دامت السماوات والأرض، فهي مؤقتة في حق الفرد المسلم، دائمة في حق الأمة، تتناوب عليها الأجيال وتتعاقب، وليس المراد ألا يكون في الأمة متخصصون في الإعداد، يشغلون جل وقتهم فيه، بل إن ذلك حق وواجب، إنما المراد ألا نفصل بين الإعداد والعمل، وألا تتحول الأمة جمعاء إلى مقاعد الإعداد، حتى تفرغ الثغور عن حماتها، فتنتهك الحرمات ويضيع الحق! فمن يعمل إن كانت الأمة كلها تُعد؟ بل، من سيحمي ذاك الذي يُعد حتى يفرغ؟ بل ما هو أكبر من ذلك كله .. كيف يصلح للإعداد من ليس يعمل؟!

فئتان نحتاج إليهما، تكمل كل منهما الأخرى:

فئة تغلّب الإعداد -ولا بد لها من عمل وإن قل-

فئة تغلّب العمل -ولا بد لها من إعداد وإن قل-

لا عمل بغير إعداد، ولا إعداد بلا عمل، فانظر مع أي الفريقين تكون، أما أن تقعد ونقعد جميعاً حتى يتجرأ علينا السفهاء وتتقاذفنا ألسنة الجهال في القنوات والفضائيات والمواقع، يهزأون بنا، ويتضاحكون على شهدائنا، ويلمزون علمائنا، يقولون بالكفر، ويسبون الله جهراً!! فما هذا بحق!

ولنتأمل قوله تعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (سورة التوبة: 122).

الكاتب: عبدالله الخطيب

Mustafa Alhassan
Mustafa Alhassan
تعليقات